فصل: بَابُ مُكَاتَبَةِ الْمُدَبَّرِ:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: المبسوط



.بَابُ تَدْبِيرِ مَا فِي الْبَطْنِ:

(قَالَ) رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَمَةٌ بَيْنَ رَجُلَيْنِ دَبَّرَ أَحَدَهُمَا مَا فِي بَطْنِهَا جَازَ كَمَا لَوْ أَعْتَقَ مَا فِي بَطْنِهَا فَإِنْ وَلَدَتْ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ بَعْدَ هَذَا الْقَوْلِ فَهُوَ مُدَبَّرٌ وَالشَّرِيكُ فِيهِ بِالْخِيَارِ بَيْنَ التَّدْبِيرِ وَالتَّضْمِينِ وَالِاسْتِسْعَاءِ لِأَنَّا تَيَقَّنَّا أَنَّهُ كَانَ مَوْجُودًا فِي الْبَطْنِ وَقْتَ التَّدْبِيرِ فَهُوَ كَالْمُنْفَصِلِ وَإِنْ وَلَدَتْهُ لِأَكْثَرَ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ لَمْ يَعْمَلْ فِيهِ التَّدْبِيرُ؛ لِأَنَّا لَمْ نَتَيَقَّنْ بِوُجُودِهِ حِينَ دَبَّرَ لَعَلَّهَا حَبِلَتْ بِهِ بَعْدَ ذَلِكَ وَمَعَ الشَّكِّ لَا يَثْبُتُ التَّدْبِيرُ، وَلَوْ قَالَ أَحَدُهُمَا مَا فِي بَطْنِك حُرٌّ بَعْدَ مَوْتِي وَقَالَ الْآخَرُ أَنْتِ حُرَّةٌ بَعْدَ مَوْتِي فَوَلَدَتْ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ بَعْدَ النُّطْقِ الْأَوَّلِ فَالْوَلَدُ مُدَبَّرٌ بَيْنَهُمَا؛ لِأَنَّا عَلِمْنَا أَنَّهُ كَانَ مَوْجُودًا حِينَ دَبَّرَهُ الْأَوَّلُ فَتَدَبَّرَ نَصِيبُهُ بِتَدْبِيرِهِ، وَنَصِيبُ الشَّرِيكِ بِتَدْبِيرِهِ حِصَّتَهُ مِنْ الْأُمِّ فَلِهَذَا كَانَ الْوَلَدُ مُدَبَّرًا بَيْنَهُمَا وَحِصَّةُ الَّذِي دَبَّرَ الْأُمَّ مُدَبَّرٌ مَعَ الْأُمِّ وَشَرِيكُهُ فِيهَا بِالْخِيَارِ وَإِنْ وَلَدَتْهُ لِأَكْثَرَ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ فَالْوَلَدُ مُدَبَّرٌ لِلَّذِي دَبَّرَ الْأُمَّ؛ لِأَنَّا لَمْ نَتَيَقَّنْ بِوُجُودِهِ عِنْدَ تَدْبِيرِ الْأَوَّلِ فَإِنَّمَا يَثْبُتُ فِيهِ حُكْمُ التَّدْبِيرِ بِطَرِيقِ التَّبَعِيَّةِ لِلْأُمِّ مِنْ جِهَةِ الَّذِي دَبَّرَ الْأُمَّ وَثُبُوتُ حُكْمِ التَّبَعِيَّةِ بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ كَالْجُزْءِ مِنْ وَجْهٍ وَفِي هَذَا لَا يَنْفَصِلُ بَعْضُهُ عَنْ بَعْضٍ فَلِهَذَا كَانَ الْوَلَدُ كُلُّهُ مُدَبَّرًا لِلَّذِي دَبَّرَ الْأُمَّ بِخِلَافِ الْأَوَّلِ فَإِنَّ نَصِيبَ الشَّرِيكِ مِنْ الْوَلَدِ هُنَاكَ صَارَ مَقْصُودًا يَنْفَرِدُ التَّدْبِيرُ مِنْ جِهَتِهِ فِيهِ، ثُمَّ نِصْفُ الْأُمِّ مُدَبَّرٌ لِلَّذِي دَبَّرَهَا وَالْآخَرُ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ ضَمَّنَ شَرِيكَهُ نِصْفَ قِيمَةِ الْأُمِّ إنْ كَانَ مُوسِرًا وَالْوَلَدُ لِلْمُدَبِّرِ بِغَيْرِ ضَمَانٍ؛ لِأَنَّ الضَّمَانَ إنَّمَا لَزِمَهُ مِنْ حِينِ دَبَّرَ، وَعُلُوقُ الْوَلَدِ بَعْدَ ذَلِكَ فَلَا يَثْبُتُ فِيهِ حَقُّ الشَّرِيكِ أَلَا تَرَى أَنَّهَا لَوْ ازْدَادَتْ فِي بَدَنِهَا لَمْ يَكُنْ لَلشَّرِيك الْآخَرِ تَضْمِينُ نِصْفِ الْقِيمَةِ إلَّا وَقْتَ التَّدْبِيرِ فَكَذَلِكَ إذَا كَانَتْ الزِّيَادَةُ مُنْفَصِلَةً؛ لِأَنَّهَا صَارَتْ فِي حُكْمِ الْمُسْتَسْعَاةِ حَتَّى ثَبَتَ لَهُ حَقُّ أَنْ يَسْتَسْعِيَهَا فِي نِصْفِ قِيمَتِهَا بِذَلِكَ التَّدْبِيرِ وَالْمُسْتَسْعَاةُ كَالْمُكَاتَبَةِ تَكُونُ أَحَقَّ بِوَلَدِهَا فَلِهَذَا لَمْ يَجِبْ عَلَى الْمُدَبِّرِ شَيْءٌ مِنْ ضَمَانِ قِيمَةِ الْوَلَدِ وَإِنْ شَاءَ الشَّرِيكُ اسْتَسْعَاهَا فِي نِصْفِ قِيمَتِهَا وَلَا يَسْعَى الِابْنُ فِي شَيْءٍ لِمَا بَيَّنَّا أَنَّ الْمُسْتَسْعَاةَ كَالْمُكَاتَبَةِ فَلَا يَثْبُتُ لِمَوْلَاهَا فِيمَا يَحْدُثُ لَهَا مِنْ الْوَلَاءِ بَعْدَ ذَلِكَ حَقٌّ يُمَكِّنُهُ مِنْ اسْتِسْعَائِهِ الْوَلَدَ، فَإِنْ دَبَّرَ أَحَدُهُمَا مَا فِي بَطْنِهَا ثُمَّ أَعْتَقَ الْآخَرُ نَصِيبَهُ أَلْبَتَّةَ ثُمَّ وَلَدَتْ بَعْدَ ذَلِكَ بِشَهْرٍ فَالْمُدَبِّرُ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ أَعْتَقَ حِصَّتَهُ مِنْ الْوَلَدِ وَإِنْ شَاءَ اسْتَسْعَى وَإِنْ شَاءَ ضَمَّنَ الْمُعْتِقَ إنْ كَانَ مُوسِرًا وَيَرْجِعُ الَّذِي ضَمِنَ بِهِ عَلَى الْوَلَدِ؛ لِأَنَّا تَيَقَّنَّا أَنَّهُ كَانَ مَوْجُودًا فِي الْبَطْنِ عِنْدَ تَصَرُّفِهِمَا فَيَكُونُ حُكْمُ هَذَا وَحُكْمُ مَا لَوْ كَانَ تَصَرُّفُهُمَا فِي الْوَلَدِ بَعْدَ الِانْفِصَالَ سَوَاءً.
(قَالَ) وَإِذَا دَبَّرَ الرَّجُلُ مَا فِي بَطْنِ جَارِيَتِهِ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَبِيعَهَا وَلَا يَهَبَهَا وَلَا يُمْهِرَهَا وَقَدْ ذَكَرَ فِي كِتَابِ الْهِبَةِ إذَا أَعْتَقَ مَا فِي بَطْنِ أَمَتِهِ ثُمَّ وَهَبَهَا جَازَتْ الْهِبَةُ بِخِلَافِ مَا لَوْ بَاعَهَا وَقِيلَ فِي الْمَسْأَلَة رِوَايَتَانِ وَجْهُ هَذِهِ الرِّوَايَةِ أَنَّ مَا فِي الْبَطْنِ صَارَ بِحَيْثُ لَا يَحْتَمِلُ التَّمْلِيكَ فَتَمْلِيكُهَا دُونَ مَا فِي بَطْنِهَا بِالْهِبَةِ لَا يَتَحَقَّقُ فَلِهَذَا لَا يَجُوزُ هِبَتُهَا وَوَجْهُ تِلْكَ الرِّوَايَةِ أَنَّ مَا فِي الْبَطْنِ يَصِيرُ مُسْتَثْنًى وَيُجْعَلُ كَأَنَّهُ اسْتَثْنَاهُ نَصًّا، وَالْهِبَةُ لَا تَبْطُلُ فِي الْجَارِيَةِ بِاسْتِثْنَاءِ مَا فِي الْبَطْنِ نَصًّا بِخِلَافِ الْبَيْعِ.
وَالْأَصَحُّ هُوَ الْفَرْقُ بَيْنَ التَّدْبِيرِ وَالْعِتْقِ فَنَقُولُ بَعْدَ مَا أَعْتَقَ مَا فِي بَطْنِهَا لَوْ وَهَبَ الْأُمَّ جَازَ كَمَا ذُكِرَ هُنَاكَ وَبَعْدَ مَا دَبَّرَ مَا فِي الْبَطْنِ لَوْ وَهَبَ الْأُمَّ لَا يَجُوزُ كَمَا ذُكِرَ هُنَا وَالْفَرْقُ أَنَّ بِالتَّدْبِيرِ لَا يَزُولُ مِلْكُهُ عَمَّا فِي الْبَطْنِ فَإِذَا وَهَبَ الْأُمَّ بَعْدَ التَّدْبِيرِ فَالْمَوْهُوبُ مُتَّصِلٌ بِمَا لَيْسَ بِمَوْهُوبٍ مِنْ مِلْكِ الْوَاهِبِ فَيَكُونُ فِي مَعْنَى هِبَةِ الْمَشَاعِ فِيمَا يَحْتَمِلُ الْقِسْمَةَ وَأَمَّا بَعْدَ الْعِتْقِ مَا فِي الْبَطْنِ غَيْرُ مَمْلُوكٍ فَالْمَوْهُوبُ غَيْرُ مُتَّصِلٍ بِمَا لَيْسَ بِمَوْهُوبٍ مِنْ مِلْكِ الْوَاهِبِ فَهُوَ كَمَا لَوْ وَهَبَ دَارًا فِيهَا ابْنُ الْوَاهِبِ وَسَلَّمَهَا إلَى الْمَوْهُوبِ لَهُ تَتِمُّ الْهِبَةُ.
فَإِنْ وَلَدَتْهُ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ فَالْوَلَدُ مُدَبَّرٌ وَإِنْ وَلَدَتْهُ لِأَكْثَرَ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ كَانَ رَقِيقًا لِأَنَّا لَمْ نَتَيَقَّنْ بِوُجُودِهِ فِي الْبَطْنِ وَقْتَ التَّدْبِيرِ وَإِنْ وَلَدَتْ وَلَدَيْنِ أَحَدُهُمَا لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ بِيَوْمٍ وَالْآخَرُ لِأَكْثَرَ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ بِيَوْمٍ فَهُمَا مُدَبَّرَانِ؛ لِأَنَّا تَيَقَّنَّا بِوُجُودِ الْأَوَّلِ مِنْهُمَا وَقْتَ التَّدْبِيرِ وَهُمَا تَوْأَمٌ خُلِقَا مِنْ مَاءٍ وَاحِدٍ فَمِنْ ضَرُورَةِ وُجُودِ أَحَدِهِمَا مِنْ ذَلِكَ الْوَقْتِ وُجُودُ الْآخَرِ.
(قَالَ) وَلَوْ دَبَّرَ مَا فِي بَطْنِ أَمَتِهِ ثُمَّ كَاتَبَهَا جَازَتْ الْكِتَابَةُ؛ لِأَنَّ الْكِتَابَةَ تُعْقَدُ لِلْعِتْقِ وَثُبُوتُ حَقِّ الْعِتْقِ فِي الْوَلَدِ لَا يَمْنَعُ عَقْدَ الْعِتْقِ فِي الْأُمِّ، وَإِنْ وَضَعَتْ بَعْدَ هَذَا الْقَوْلِ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ كَانَ التَّدْبِيرُ فِي الْوَلَدِ صَحِيحًا وَلَكِنْ يَثْبُتُ أَيْضًا فِي الْوَلَدِ فِي حُكْمِ الْكِتَابَةِ تَبَعًا لِلْأُمِّ فَإِذَا أَدَّتْ عَتَقَا جَمِيعًا وَإِنْ مَاتَ الْمَوْلَى قَبْلَ أَنْ تُؤَدِّيَ عَتَقَ الْوَلَدُ بِالتَّدْبِيرِ مِنْ الثُّلُثِ وَعَلَى الْأُمِّ السِّعَايَةُ فِي الْمُكَاتَبَةِ عَلَى حَالِهَا وَإِنْ لَمْ يَمُتْ الْمَوْلَى حَتَّى مَاتَتْ الْأُمُّ فَعَلَى الْوَلَدِ أَنْ يَسْعَى فِيمَا عَلَى أُمِّهِ؛ لِأَنَّهُ وَلَدٌ مَوْلُودٌ فِي الْكِتَابَةِ، فَإِنْ مَاتَ الْمَوْلَى فَالْوَلَدُ بِالْخِيَارِ؛ لِأَنَّهُ تَلْقَاهُ جِهَتَا حُرِّيَّةٍ أَحَدُهُمَا بِالتَّدْبِيرِ وَالْآخَرُ بِأَدَاءِ كِتَابَةِ الْأُمِّ فَيَخْتَارُ أَنْفَعَ الْوَجْهَيْنِ لَهُ، وَإِنْ كَانَ يَخْرُجُ مِنْ ثُلُثِ مَالِ الْمَيِّتِ عَتَقَ وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ مَقْصُودَهُ قَدْ حَصَلَ.
(قَالَ) وَلَوْ قَالَ لِأَمَتِهِ وَلَدُكِ الَّذِي فِي بَطْنِك وَلَدُ مُدَبَّرَةٍ أَوْ وَلَدُ حُرَّةٍ وَهُوَ لَا يُرِيدُ بِهَذَا عِتْقًا لَمْ تَعْتِقْ؛ لِأَنَّ هَذَا تَشْبِيهٌ وَلَيْسَ بِتَحْقِيقٍ فَكَأَنَّهُ قَالَ لَهَا أَنْتَ مِثْلُ الْحُرَّةِ أَوْ الْمُدَبَّرَةِ وَقَدْ بَيَّنَّا هَذَا فِيمَا سَبَقَ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ وَإِلَيْهِ الْمَرْجِعُ وَالْمَآبُ.

.بَابُ مُكَاتَبَةِ الْمُدَبَّرِ:

(قَالَ) رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَإِذَا كَاتَبَ الرَّجُلُ مُدَبَّرَهُ ثُمَّ مَاتَ وَهُوَ يَخْرُجُ مِنْ ثُلُثِهِ عَتَقَ بِالتَّدْبِيرِ وَسَقَطَتْ عَنْهُ الْمُكَاتَبَةُ لِوُقُوعِ الِاسْتِغْنَاءِ لَهُ عَنْ أَدَاءِ الْمَالِ وَهُوَ بِمَنْزِلَةِ مَا لَوْ أَعْتَقَ الْمَوْلَى مُكَاتَبَهُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ غَيْرُهُ فَإِنَّمَا يَعْتِقُ ثُلُثَهُ بِالتَّدْبِيرِ ثُمَّ لَا يَسْقُطُ عَنْهُ شَيْءٌ مِنْ بَدَلِ الْكِتَابَةِ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى وَقَالَ مُحَمَّدٌ رَحِمَهُ اللَّهُ يَسْقُطُ عَنْهُ ثُلُثُ الْكِتَابَةِ؛ لِأَنَّهُ عَتَقَ ثُلُثَهُ بِالتَّدْبِيرِ وَلَوْ عَتَقَ كُلُّهُ سَقَطَ عَنْهُ جَمِيعُ بَدَلِ الْكِتَابَةِ فَكَذَلِكَ إذَا عَتَقَ ثُلُثَهُ يَسْقُطُ عَنْهُ ثُلُثَ بَدَلِ الْكِتَابَةِ اعْتِبَارًا لِلْجُزْءِ بِالْكُلِّ قِيَاسًا عَلَى مَا إذَا كَاتَبَهُ أَوَّلًا ثُمَّ دَبَّرَهُ ثُمَّ مَاتَ وَلَا مَالَ لَهُ سِوَاهُ فَإِنَّهُ يَسْقُطُ عَنْهُ ثُلُثُ بَدَلِ الْكِتَابَةِ لَمَّا عَتَقَ عَلَيْهِ ثُلُثَهُ بِالتَّدْبِيرِ، فَكَذَلِكَ إذَا سَبَقَ التَّدْبِيرُ الْكِتَابَةَ وَلَا مَعْنَى لِقَوْلِ مَنْ يَقُولُ إنَّ الْمُسْتَحَقَّ بِالتَّدْبِيرِ لَا يُرَدُّ عَلَيْهِ عَقْدُ الْكِتَابَةِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ أَدَّى جَمِيعَ بَدَلِ الْكِتَابَةِ فِي حَيَاتِهِ يَعْتِقُ كُلُّهُ وَلَوْ كَانَ الْمُسْتَحَقُّ بِالتَّدْبِيرِ لَمْ يُرَدَّ عَلَيْهِ الْكِتَابَةُ لَمَا عَتَقَ بِالْأَدَاءِ وَلِأَنَّ اسْتِحْقَاقَ الْمُدَبَّرِ ثُلُثَهُ بِالتَّدْبِيرِ كَاسْتِحْقَاقِ أُمِّ الْوَلَدِ جَمِيعِهَا بِالِاسْتِيلَادِ ثُمَّ لَوْ كَاتَبَ أُمَّ وَلَدِهِ صَحَّتْ الْكِتَابَةُ وَوَجَبَ الْمَالُ فَعَرَفْنَا أَنَّ هَذَا الِاسْتِحْقَاقَ لَا يَمْنَعُ وُرُودَ عَقْدِ الْكِتَابَةِ عَلَيْهِ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى طَرِيقَانِ أَحَدُهُمَا أَنَّ بَدَلَ الْكِتَابَةِ بِمُقَابَلَةِ مَا وَرَاءَ الْمُسْتَحَقِّ بِالتَّدْبِيرِ؛ لِأَنَّ مُوجِبَ الْكِتَابَةِ ثُبُوتُ مَا لَمْ يَكُنْ ثَابِتًا فِي الْمُكَاتَبِ وَالْبَدَلُ بِمُقَابَلَةِ ذَلِكَ لَا بِمُقَابَلَةِ مَا هُوَ ثَابِتٌ وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّ التَّدْبِيرَ يُوجِبُ اسْتِحْقَاقَ شَيْءٍ لَهُ فَلَا يُتَصَوَّرُ اسْتِحْقَاقُ ذَلِكَ بِالْكِتَابَةِ لِيَكُونَ الْبَدَلُ بِمُقَابَلَتِهِ بَلْ بِمُقَابَلَةِ مَا وَرَاءَ ذَلِكَ، بِمَنْزِلَةِ مَا لَوْ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ اثْنَتَيْنِ ثُمَّ طَلَّقَهَا ثَلَاثًا بِأَلْفٍ كَانَ الْأَلْفُ كُلُّهَا بِإِزَاءِ التَّطْلِيقَةِ الثَّالِثَةِ.
أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ اسْتَحَقَّ جَمِيعَ نَفْسِهِ بِالتَّدْبِيرِ بِأَنْ خَرَجَ مِنْ الثُّلُثِ بَطَلَتْ الْكِتَابَةُ، وَكَذَلِكَ فِي أُمِّ الْوَلَدِ إذَا مَاتَ الْمَوْلَى حَتَّى تَقَرَّرَ اسْتِحْقَاقُهَا فِي جَمِيعِ نَفْسِهَا بَطَلَتْ الْكِتَابَةُ فَأَمَّا قَبْلَ الْمَوْتِ الْكِتَابَةُ صَحِيحَةٌ؛ لِأَنَّ الِاسْتِحْقَاقَ غَيْرُ مُتَقَرِّرٍ لِجَوَازِ أَنْ يَمُوتَا قَبْلَ الْمَوْلَى.
وَإِذَا ثَبَتَ أَنَّ بَدَلَ الْكِتَابَةِ بِمُقَابَلَةِ مَا وَرَاءَ الْمُسْتَحَقِّ بِالتَّدْبِيرِ وَشَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ لَمْ يُسَلَّمْ لِلْعَبْدِ بِمَوْتِ الْمَوْلَى فَلَا يَسْقُطُ شَيْءٌ عَنْهُ مِنْ بَدَلِ الْكِتَابَةِ، وَهَذَا بِخِلَافِ مَا لَوْ كَاتَبَهُ أَوَّلًا ثُمَّ دَبَّرَهُ؛ لِأَنَّ بَدَلَ الْكِتَابَةِ هُنَاكَ بِمُقَابَلَةِ جَمِيعِ الرَّقَبَةِ فَإِنَّهُ لَمْ يَكُنْ مُسْتَحِقًّا لِشَيْءٍ مِنْ رَقَبَتِهِ عِنْدَ الْكِتَابَةِ فَإِذَا عَتَقَ بَعْضُ الرَّقَبَةِ بَعْدَ ذَلِكَ بِالتَّدْبِيرِ سَقَطَ حِصَّتُهُ مِنْ بَدَلِ الْكِتَابَةِ وَالطَّرِيقُ الْآخَرُ أَنَّ التَّدْبِيرَ الْآخَرَ وَصِيَّةٌ بِالرَّقَبَةِ لَهُ وَالْوَصِيَّةُ بِالْعَيْنِ لَا تَنْفُذُ مِنْ مَالٍ آخَرَ بِحَالٍ كَمَا لَوْ أَوْصَى بِعَبْدِهِ لِإِنْسَانٍ ثُمَّ بَاعَهُ أَوْ قُتِلَ لَا تَنْفُذُ الْوَصِيَّةُ مِنْ قِيمَتِهِ وَلَا مِنْ ثَمَنِهِ فَلَوْ أَسْقَطْنَا شَيْئًا مِنْ بَدَلِ الْكِتَابَةِ كَانَ فِيهِ تَنْفِيذُ وَصِيَّتِهِ مِنْ غَيْرِ مَا أَوْصَى لَهُ بِهِ وَذَلِكَ لَا يَجُوزُ بِخِلَافِ مَا لَوْ كَاتَبَهُ أَوَّلًا ثُمَّ دَبَّرَهُ؛ لِأَنَّ عِنْدَ التَّدْبِيرِ هُنَاكَ حَقَّهُ أَحَدُ الشَّيْئَيْنِ إمَّا بَدَلُ الْكِتَابَةِ إنْ أَدَّى أَوْ مَالِيَّةَ الرَّقَبَةِ إنْ عَجَزَ فَيَكُونُ مُوصِيًا لَهُ بِمَا هُوَ حَقُّهُ فَلِهَذَا يَنْفُذُ فِي بَدَلِ الْكِتَابَةِ.
إذَا عَرَفْنَا هَذَا فَتَخْرِيجُ الْمَسْأَلَةِ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ فِيمَا إذَا دَبَّرَهُ أَوَّلًا ثُمَّ كَاتَبَهُ أَنَّهُ يَتَخَيَّرُ بَعْدَ مَوْتِ الْمَوْلَى إنْ شَاءَ سَعَى فِي جَمِيعِ بَدَلِ الْكِتَابَةِ وَإِنْ شَاءَ سَعَى فِي ثُلُثَيْ قِيمَتِهِ بِالتَّدْبِيرِ أَوْ بِالْكِتَابَةِ؛ لِأَنَّ عِنْدَهُ الْعِتْقَ يَتَجَزَّى وَقَدْ تَلْقَاهُ جِهَتَا حُرِّيَّةٍ.
أَمَّا السِّعَايَةُ فِي ثُلُثَيْ قِيمَتِهِ بِالتَّدْبِيرِ أَوْ فِي بَدَلِ الْكِتَابَةِ بِجِهَةِ الْعَقْدِ فَيَخْتَارُ أَيَّ الْوَجْهَيْنِ شَاءَ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ يَسْعَى فِي الْأَقَلِّ مِنْهُمَا بِغَيْرِ خِيَارٍ؛ لِأَنَّ الْعِتْقَ عِنْدُهُ لَا يَتَجَزَّأَ فَقَدْ عَتَقَ كُلُّهُ وَالْمَالُ عَلَيْهِ فَلَا يَلْزَمُهُ إلَّا أَقَلُّ الْمَالَيْنِ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ يَسْعَى فِي الْأَقَلِّ مِنْ ثُلُثَيْ قِيمَتِهِ وَمِنْ ثُلُثَيْ بَدَلِ الْكِتَابَةِ؛ لِأَنَّ ثُلُثَ بَدَلِ الْكِتَابَةِ قَدْ سَقَطَ وَلَا يَتَجَدَّدُ؛ لِأَنَّ الْعِتْقَ عِنْدَهُ لَا يَتَجَزَّأُ، وَلَوْ كَانَ كَاتَبَهُ أَوَّلًا ثُمَّ دَبَّرَهُ ثُمَّ مَاتَ فَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى يَتَخَيَّرُ بَيْنَ أَنْ يَسْعَى فِي ثُلُثَيْ قِيمَتِهِ أَوْ ثُلُثَيْ بَدَلِ الْكِتَابَةِ لِمَا بَيَّنَّا أَنَّهُ تَلْقَاهُ جِهَتَا حُرِّيَّةٍ وَرُبَّمَا يَكُونُ التَّخْيِيرُ مُفِيدًا لِمَنْفَعَةٍ لَهُ فِي أَحَدِهِمَا دُونَ الْآخَرِ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى يَسْعَى فِي أَقَلِّ الْمَالَيْنِ بِلَا خِيَارٍ؛ لِأَنَّ الْعِتْقَ عِنْدَهُمَا لَا يَتَجَزَّأُ.
(قَالَ) وَإِذَا كَاتَبَ مُدَبَّرَتَهُ فَوَلَدَتْ وَلَدًا ثُمَّ مَاتَتْ يَسْعَى الْوَلَدُ فِيمَا عَلَيْهَا؛ لِأَنَّهُ مَوْلُودٌ فِي كِتَابَتِهَا فَيَبْقَى عَقْدُ الْكِتَابَةِ بِبَقَائِهِ؛ لِأَنَّهُ جُزْءٌ مِنْهَا، فَإِنْ كَانَا وَلَدَيْنِ فَأَدَّى أَحَدُهُمَا الْمَالَ كُلَّهُ مِنْ سِعَايَتِهِ لَمْ يَرْجِعْ عَلَى صَاحِبِهِ بِشَيْءٍ؛ لِأَنَّهُ مَا أَدَّى عَنْ صَاحِبِهِ شَيْئًا وَإِنَّمَا أَدَّى عَنْ الْأُمِّ فَإِنَّ بَدَلَ الْكِتَابَةِ عَلَيْهَا وَلِأَنَّ كَسْبَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لِلْأُمِّ أَلَا تَرَى أَنَّهَا فِي حَيَاتِهَا كَانَتْ أَحَقَّ بِكَسْبِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لِتَسْتَعِينَ بِهِ فِي أَدَاءِ الْكِتَابَةِ فَكَانَ أَدَاءُ أَحَدِهِمَا مِنْ كَسْبِهِ بِمَنْزِلَةِ الْأَدَاءِ مِنْ مَالِ الْأُمِّ، وَكَذَلِكَ إنْ كَاتَبَ مُدَبَّرَيْنِ لَهُ جَمِيعًا وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا كَفِيلٌ عَنْ الْآخَرِ ثُمَّ مَاتَ وَتَرَكَ أَحَدُهُمَا وَلَدًا وُلِدَ لَهُ فِي مُكَاتَبَتِهِ مِنْ أَمَتِهِ فَعَلَيْهِ أَنْ يَسْعَى فِي جَمِيعِ الْكِتَابَةِ؛ لِأَنَّهُ قَائِمٌ مَقَامَ أَبِيهِ وَإِنَّمَا يَسْعَى لِتَحْصِيلِ الْعِتْقِ لِأَبِيهِ وَلِنَفْسِهِ وَلَا يَحْصُلُ الْعِتْقُ لِأَبِيهِ إلَّا بِأَدَاءِ جَمِيعِ بَدَلِ الْكِتَابَةِ فَلِهَذَا كَانَ عَلَيْهِ السِّعَايَةُ فِي جَمِيعِ بَدَلِ الْكِتَابَةِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ وَإِلَيْهِ الْمَرْجِعُ وَالْمَآبُ.

.بَابُ الشَّهَادَةِ عَلَى التَّدْبِيرِ:

(قَالَ) رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَإِذَا شَهِدَ شَاهِدٌ أَنَّهُ دَبَّرَ عَبْدَهُ وَشَهِدَ آخَرُ أَنَّهُ أَعْتَقَ فَالشَّهَادَةُ بَاطِلَةٌ؛ لِأَنَّهُمَا اخْتَلَفَا فِي الْمَشْهُودِ بِهِ لَفْظًا وَلَا يَتَمَكَّنُ الْقَاضِي مِنْ الْقَضَاءِ بِشَيْءٍ إذْ لَيْسَ عَلَى وَاحِدٍ مِنْ الْأَمْرَيْنِ شَهَادَةُ شَاهِدَيْنِ، وَكَذَلِكَ إنْ شَهِدَا بِالتَّدْبِيرِ وَاخْتَلَفَا فِي شَرْطِهِ قَالَ أَحَدُهُمَا أَعْتَقَهُ بَعْدَ مَوْتِهِ وَمَوْتِ فُلَانٍ وَقَالَ الْآخَرُ بَعْدَ مَوْتِهِ خَاصَّةً؛ لِأَنَّ اخْتِلَافَهُمَا فِي الشَّرْطِ اخْتِلَافٌ فِي الْمَشْهُودِ بِهِ عَلَى وَجْهٍ يَتَعَذَّرُ عَلَى الْقَاضِي بِشَيْءٍ، وَكَذَلِكَ لَوْ شَهِدَ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ دَبَّرَ أَحَدَ عَبْدَيْهِ وَالْآخَرُ أَنَّهُ دَبَّرَ هَذَا بِعَيْنِهِ وَإِنْ شَهِدَا أَنَّهُ دَبَّرَ أَحَدَ عَبْدَيْهِ بِغَيْرِ عَيْنِهِ فَالشَّهَادَةُ بَاطِلَةٌ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى كَمَا بَيَّنَّاهُ فِي الْعِتْقِ الْبَاتِّ فَإِنْ مَاتَ الْمَوْلَى قَبْلَ أَنْ يَتَرَافَعُوا إلَى الْقَاضِي ثُمَّ شَهِدَ بَعْدَ مَوْتِهِ أَسْتَحِبُّ أَنْ أُجِيزَ شَهَادَتَهُمَا؛ لِأَنَّ الْعِتْقَ يُنَجَّزُ فِيهِمَا بِالْمَوْتِ وَلِأَنَّ فِي الْوَصِيَّةِ مَعْنَى حَقِّ الْمُوصَى.
وَذَكَرَ بَعْدَ هَذَا الْمَوْضِعِ فِي نَظِيرِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَنَّ الشُّهُودَ قَالُوا كَانَ ذَلِكَ فِي الْمَرَضِ وَفِي حُكْمِ قَبُولِ الشَّهَادَةِ سَوَاءٌ.
قَالُوا ذَلِكَ أَوْ لَمْ يَقُولُوا فَالشَّهَادَةُ مَقْبُولَةٌ وَإِنَّمَا ذُكِرَ هَذَا الْقَيْدُ لِمَقْصُودٍ آخَرَ وَإِنْ كَانَا شَهِدَا بِذَلِكَ فِي حَيَاتِهِ فَأَبْطَلَهَا الْقَاضِي لَمْ يَقْبَلْهَا بَعْدَ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ اتَّصَلَ الْحُكْمُ بِرَدِّ هَذِهِ الشَّهَادَةِ وَكُلُّ شَهَادَةٍ حَكَمَ الْقَاضِي بِرَدِّهَا لَا يَقْبَلُهَا بَعْدَ ذَلِكَ.
(قَالَ) وَإِنْ شَهِدَا أَنَّهُ قَالَ هَذَا حُرٌّ بَعْدَ مَوْتِي لَا بَلْ هَذَا عَتَقَا جَمِيعًا مِنْ ثُلُثِهِ؛ لِأَنَّ كَلِمَةَ لَا بَلْ لِاسْتِدْرَاكِ الْغَلَطِ بِالرُّجُوعِ عَنْ الْأَوَّلِ وَإِقَامَةِ الثَّانِي مَقَامَهُ وَلَا يَصِحُّ رُجُوعُهُ عَنْ تَدْبِيرِ الْأَوَّلِ وَيَصِحُّ تَدْبِيرُهُ فِي الثَّانِي فَكَانَا شَاهِدَيْنِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِالتَّدْبِيرِ بِعَيْنِهِ، وَكَذَلِكَ إنْ شَهِدَا أَنَّهُ قَالَ هَذَا حُرٌّ أَلْبَتَّةَ لَا بَلْ هَذَا مُدَبَّرٌ؛ لِأَنَّهُمَا شَهِدَا لِلْأَوَّلِ بِعَيْنِهِ بِالْحُرِّيَّةِ وَلِلثَّانِي بِعَيْنِهِ بِالتَّدْبِيرِ وَلَوْ شَهِدَا أَنَّهُ قَالَ هَذَا حُرٌّ أَوْ هَذَا مُدَبَّرٌ لَمْ تَجُزْ شَهَادَتُهُمَا فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى؛ لِأَنَّهُمَا مَا شَهِدَا لِلْمُعَيَّنِ بِشَيْءٍ فَإِنَّ حَرْفَ أَوْ بَيْنَ الْكَلَامَيْنِ يُخْرِجُ كَلَامَهُ مِنْ أَنْ يَكُونَ عَزِيمَةً فِي وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَالشَّهَادَةُ لِغَيْرِ الْمُعَيَّنِ بِالْعِتْقِ أَوْ التَّدْبِيرِ غَيْرُ مَقْبُولَةٍ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَلَوْ شَهِدَا أَنَّهُ قَالَ هَذَا مُدَبَّرٌ أَوْ هَذَا جَازَتْ الشَّهَادَةُ لِلْأَوَّلِ وَحْدَهُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى؛ لِأَنَّ هَذَا اللَّفْظَ لَوْ سَمِعْنَاهُ مِنْ الْمَوْلَى ثَبَتَ بِهِ التَّدْبِيرُ لِلْأَوَّلِ وَيُخَيَّرُ الْمَوْلَى فِي الْبَاقِينَ فَكَانَا شَاهِدَيْنِ لِلْأَوَّلِ بِعَيْنِهِ وَهُوَ مُدَّعٍ لِذَلِكَ فَيَجُوزُ شَهَادَتُهُمَا لَهُ وَلَا يَجُوزُ لِأَحَدِ الْآخَرِينَ بِغَيْرِ عَيْنِهِ وَهُمَا كَلَامَانِ يَنْفَصِلُ أَحَدُهُمَا عَنْ الْآخَرِ فَبُطْلَانُ أَحَدِهِمَا لَا يُبْطِلُ الْعَمَلَ بِالْآخَرِ وَلَوْ شَهِدَا أَنَّهُ قَالَ أَحَدُ هَذَيْنِ الْعَبْدَيْنِ مُدَبَّرٌ لَا بَلْ هَذَا لِأَحَدِهِمَا بِعَيْنِهِ صَارَ الَّذِي عَيَّنَهُ مُدَبَّرًا؛ لِأَنَّهُمَا شَهِدَا لَهُ بِعَيْنِهِ بِالتَّدْبِيرِ وَيَحْلِفُ لِلْآخَرِ بِاَللَّهِ مَا عَنَاهُ بِأَوَّلِ كَلَامِهِ فَإِذَا حَلَفَ كَانَ عَبْدًا لَهُ عَلَى حَالِهِ وَلَوْ اخْتَلَفَ الْمَوْلَى وَالْمُدَبَّرَةُ فِي وَلَدِهَا أَنَّهَا وَلَدَتْهُ قَبْلَ التَّدْبِيرِ أَوْ بَعْدَهُ قَدْ بَيَّنَّا أَنَّ الْقَوْلَ فِي ذَلِكَ قَوْلُ الْمَوْلَى مَعَ يَمِينِهِ وَيَحْلِفُ عَلَى الْعِلْمِ؛ لِأَنَّهُ اسْتِحْلَافٌ عَلَى فِعْلِهَا وَهُوَ مَا ادَّعَتْ مِنْ وِلَادَتِهَا بَعْدَ التَّدْبِيرِ وَإِذَا شَهِدَا أَنَّهُ دَبَّرَ أَحَدَ عَبْدَيْهِ ثُمَّ شَهِدَا أَنَّهُ أَعْتَقَ أَحَدَهُمَا فِي صِحَّتِهِ وَلَا مَالَ لَهُ غَيْرُهُمَا فَشَهَادَتُهُمَا بَاطِلَةٌ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فِي الْعِتْقِ وَالتَّدْبِيرِ جَمِيعًا فِي الْقِيَاسِ؛ لِأَنَّهُمَا لَمْ يُعَيِّنَا الْمَشْهُودَ لَهُ وَلَكِنِّي أَسْتَحْسِنُ أَنْ أُجِيزَهَا فِي التَّدْبِيرِ؛ لِأَنَّهَا وَصِيَّةٌ فَيَعْتِقُ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا ثُلُثَهُ وَيَسْعَى فِي ثُلُثَيْ قِيمَتِهِ وَفِي هَذَا بَيَانُ أَنَّ طَرِيقَ الِاسْتِحْسَانِ لِأَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى مَا بَيَّنَّا أَنَّ فِي الْوَصِيَّةِ حَقَّ الْمُوصِي دُونَ تَنْجِيزِ الْعِتْقِ فِيهِمَا بِالْمَوْتِ فَإِنَّ الْعِتْقَ فِي الصِّحَّةِ وَالتَّدْبِيرِ فِي ذَلِكَ سَوَاءٌ، وَإِنْ شَهِدَا أَنَّهُ دَبَّرَ هَذَا بِعَيْنِهِ وَأَعْتَقَ أَحَدَهُمَا أَلْبَتَّةَ فِي صِحَّتِهِ كَانَتْ شَهَادَتُهُمَا فِي الْعِتْقِ الْبَاتِّ بَاطِلَةً فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى؛ لِأَنَّهُمَا شَهِدَا بِهِ لِغَيْرِ الْمُدَّعِي الْمُعَيَّنِ إذْ الْمُدَبَّرُ وَالْقِنُّ فِي الْمَحَلِّيَّةِ لِلْعِتْقِ الْبَاتِّ سَوَاءٌ حَتَّى لَوْ أَقَرَّ الْوَرَثَةُ بِذَلِكَ وَلَا مَالَ لِلْمَيِّتِ غَيْرُهُمَا عَتَقَ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا نِصْفُهُ مِنْ جَمِيعِ الْمَالِ؛ لِأَنَّ الْحُرِّيَّةَ فِي الصِّحَّةِ تَثْبُتُ لِأَحَدِهِمَا فَيَشِيعُ الْعِتْقُ فِيهِمَا بِمَوْتِ الْمَوْلَى قَبْلَ الْبَيَانِ فَيَعْتِقُ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا نِصْفَهُ وَيَعْتِقُ مِنْ الْمُدَبَّرِ ثُلُثَ مَا بَقِيَ مِنْهُ وَهُوَ ثُلُثُ رَقَبَتِهِ فَكَانَ السَّالِمُ لَهُ خَمْسَةُ أَسْدَاسِ رَقَبَتِهِ وَيَسْعَى فِي سُدُسِ قِيمَتِهِ وَالْآخَرُ يَسْعَى فِي نِصْفِ قِيمَتِهِ.
وَإِنْ أَقَرُّوا أَنَّ الْعِتْقَ الْبَاتَّ كَانَ فِي الْمَرَضِ يُعْتَبَرُ مِنْ الثُّلُثِ، وَإِنَّمَا سَلِمَ لِلْآخَرِ نِصْفُ رَقَبَتِهِ فَيَضْرِبُ هُوَ فِي الثُّلُثِ بِنِصْفِ رَقَبَتِهِ وَالْمُدَبَّرُ بِجَمِيعِ رَقَبَتِهِ فَيَصِيرُ الثُّلُثُ بَيْنَهُمَا أَثْلَاثًا وَالْمَالُ عَلَى تِسْعَةٍ، إلَّا أَنَّ الْمَالَ رَقَبَتُهُمَا وَلَوْ جَعَلْنَا كُلَّ رَقَبَةٍ أَرْبَعَةً وَنِصْفًا لَانْكَسَرَ بِالْأَنْصَافِ فَيَضْعُفُ وَنَجْعَلُهُ مِنْ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ كُلُّ رَقَبَةٍ عَلَى تِسْعَةٍ وَقَدْ كَانَ لِلْمُدَبَّرِ سَهْمَانِ فَبِالتَّضْعِيفِ صَارَ أَرْبَعَةً فَلِهَذَا سَلِمَ لَهُ أَرْبَعَةُ أَتْسَاعِهِ وَيَسْعَى فِي خَمْسَةِ أَتْسَاعِهِ، وَلِلْقِنِّ نِصْفُ ذَلِكَ سَهْمَانِ وَيَسْعَى فِي سَبْعَةِ أَتْسَاعِهِ فَيَسْتَقِيمُ الثُّلُثُ وَالثُّلُثَانِ إنْ كَانَتْ قِيمَتُهُمَا سَوَاءً (فَإِنْ قِيلَ) لِمَاذَا لَمْ يُجْعَلْ الْعِتْقُ فِي الْمَرَضِ لِلْقِنِّ كُلِّهِ لِيَكُونَ كَلَامُهُ مَحْمُولًا عَلَى الصِّحَّةِ فَإِنَّ الْمُدَبَّرَ مُوصًى لَهُ بِجَمِيعِ رَقَبَتِهِ وَالْعِتْقُ فِي الْمَرَضِ وَصِيَّةٌ فَمَا يَصْرِفُ إلَيْهِ مِنْ ذَلِكَ يَكُونُ لَغْوًا (قُلْنَا) إنَّمَا لَمْ يُجْعَلْ هَكَذَا؛ لِأَنَّ الْمُدَبَّرَ مَحَلٌّ لِلْعِتْقِ فِي الْمَرَضِ وَالصِّحَّةِ جَمِيعًا وَبَقَاءُ الْمَحَلِّيَّةِ فِيهِ يَمْنَعُ تَعَيُّنَ الْآخَرِ لِلْعِتْقِ الْبَاتِّ فَلَا بُدَّ مِنْ اعْتِبَارِ الْأَحْوَالِ فِيهِ فَيَعْتِقُ فِي حَالٍ دُونَ حَالٍ فَيَعْتِقُ نِصْفُهُ فَلِهَذَا ضَرَبَ فِي الثُّلُثِ بِنِصْفِ رَقَبَتِهِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ بِالصِّدْقِ وَالصَّوَابِ وَإِلَيْهِ الْمَرْجِعُ وَالْمَآبُ.